كنا
نائمين على سطح المنزل هربا من الحرّ الشديد داخل غرف منزلنا، اجرينا كل الترتيبات
لرحلة كانت ستنطلق في اليوم التالي نحو نهر موسى….
استيقظنا باكرا جدا على صوت
اطلاق نار كثيف. هدأ الرصاص قليلا وعاد الأمل برحلتنا الموعودة.. لكن ما هي الا
دقائق حتى عاد من جديد مخترقا جدران منزلنا ومصحوبا بقذائف، خرجنا لنعرف ماذا
يحدث، ووصلت برفقة بعض الشبان بخطوة متهورة غير محسوبة إلى مكان الحدث، وعدنا
سريعا.
أبي حتى الآن لا يعلم أننا ذهبنا هناك، جلسنا في حيّنا وبدأ أهالي المناطق الأكثر
تماسا بمناطق الاشتباك بالنزوح إلى داخل المخيم.. مر أحد أطفال النادي ولا زال
الأمل في عينيه، وسألني كابتن، متى سنذهب إلى الرحلة؟؟!! لم يكن أحد يتوقع ماذا
سيحدث.
بعدها بدقائق بدأت الحرب
التي لم تبق ولم تذر واستمر اطلاق النار والقذائف حتى استشهد المخيم، لقد تهجّر
الجميع وتحوّل المخيّم الى أنقاض.. إحدى تلك القذائف حرقت غرفتي، وحرقت ما تحتضن
من ذكريات على مدى ٢٢ عاما…
في أحد الأيام وقفت تائها
هاربا من قذيفة هاون عشوائية، لكن لحسن حظي صدتها ابنية المخيم الملتصقة ونجوت ولم
تنجح في اصطيادي. مرة أخرى أصابت رصاصة قناص عشوائي جاري أشرف عقل عندما نزلنا
لاستلام بعض المساعدات التي ادخلتها شاحنات وكالة الأونروا على عجل لأبناء المخيم…
قضيت أسبوعين داخل المخيم،
وكانت جامعتي هي الوسيلة التي ضغط بها عليّ والدي للخروج من المخيم… على أمل أن
يلتحق بنا بسرعة ومعه أخي. انتظرناه، لكنه للأسف خرج وحيدا. سألناه يابا أين
محمود، فقال احتسبوه عند الله فقد استشهد. لقد صعدت روحه إلى ربها مع عشرات
المظلومين الذين دفعوا دمهم ضريبة الحرب التي لا ناقة لنا بها ولا جمل، نحن مكتوب
علينا ان نكون الضحية فقط.