فيروس العنصريّة تجاه الفلسطينيّ في لبنان: كيف نواجهه؟
زاهر أبو حمدة
لا تحتاج إثباتات أنّ الفلسطينيّ في لبنان يتعرّض لعنصريّة، تتفاقم وفقًا للأوضاع وتخمد حسب “بارومتر” الضّغط السّياسيّ والتّأطير الإعلاميّ، ما أن ظهرت علامات تسلّل فيروس “كورونا” إلى لبنان في بداية آذار/ مارس الماضي، حتى طالب رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة سمير جعجع، بإغلاق المخيّمات الفلسطينيّة ومنع اللاجئين من الدخول إليها أو الخروج منها، لم يعطِ أسبابًا واضحة لهذا الطّلب، لكنّه عزا ذلك إلى القدرات الاستشفائيّة المحدودة للحكومة اللّبنانيّة في حال تفشى الفيروس العالميّ، ربّما لا يعلم أنّ المسؤول طبّيًّا وخدماتيًّا عن الفلسطينيّين هي “الأونروا”، وأنّ المخيّمات عبارة عن كانتونات محاصرة، والخشية الأساسيّة كانت للفلسطينيّين أن ينتقل إليهم المرض عبر العسكر اللّبنانيّ المحيط بالمخيّمات، لا سيّما أن خروجهم نادر والتزموا بقرارات الحكومة اللّبنانيّة بعدم التّجوال، وللعلم أنّ حالات الإصابة في مخيم الجليل شرق لبنان، نقلتها المصابة الأولى من مؤسّسة طبيّة لبنانيّة إلى المخيّم وليس العكس.
ومع أنّ دعوة جعجع، لاقت ردودًا من الفصائل الفلسطينيّة ومنظّمات حقوقيّة، إلا أنّها لاقت تأييدًا عند جزء من اللّبنانيّين، وتمظهر ذلك على صفحات وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ولم ترفضها الأحزاب الأساسيّة في المنظومة السّياسيّة اللّبنانيّة، حتّى أنّ منسوب العنصريّة تجاه الفلسطينيّ ممكن أن يكون محطّ منافسة: مَن العنصريّ الأكبر؟ أو من يكره الفلسطينيّ أكثر؟!
وبما أنّ الإعلام اللبنانيّ في غالبيّته حزبيّ أو مدعوم من رجال أعمال يتبعون خطًّا سياسيًّا، يتماهى مع الجهات الحزبيّة أو التّوجّهات الأمنيّة، وبالتّالي تسلّط غالبيّة وسائل الإعلام اللّبنانيّة على سلبيّات المخيّمات وتخفي الإيجابيّات، ولا بأس من وجبات تحريضيّة كلّ فترة، منها تشبيه “كورونا” بالفلسطينيّين، وكأنّهم وباء يجتاح لبنان، وانتظر رسام الكاريكاتور اللّبنانيّ أنطوان غانم، في صحيفة “الجمهوريّة” اللّبنانيّة، ذكرى الحرب الأهليّة في 13 نيسان/ أبريل ليساوي بين الفلسطينيّ صاحب الكوفيّة بالفيروس المنتشر بسرعة والمميت ببطء، ولم تقدّم الصحيفة أيّ اعتذار لـ13 مليون فلسطينيّ أو لأنصار القضيّة الفلسطينيّة، واكتفت بالتّنويه أنّه وصلها اعتراض فلسطينيّ.
من الواضح، أنّ جزءًا كبيرًا من الشّعب اللّبناني لم يبرح مسرح الحرب الأهليّة وتحميل الثّورة الفلسطينيّة مسؤوليّة ما جرى على الرّغم من الاعتذار الفلسطينيّ الرّسميّ عام 2008، عن كلّ ما حدث بقصد أو من دون قصد؛ ولم تبادله أيّ جهة لبنانيّة باعتذار مماثل، أقلّه عن المجازر الفظيعة المدوّنة في تاريخ الحرب، وما تبعها من إجراءات وقوانين ظالمة. وبالنّسبة للقوانين اللّبنانيّة الّتي تحرم اللاجئ الفلسطينيّ من حقوقه الإنسانيّة، تمنعه أيضًا من العودة إلى البلد الّذي ولد فيه، علمًا أنّه يحمل وثيقة سفر لبنانيّة، حصل ذلك مع الشّاب طارق أبو طه، بعدما علق في دولة الإمارات قبل إغلاق المطارات بسبب أزمة “كورونا”، ومنعوه من صعود طائرة شركة “الشّرق الأوسط”، بعد تعميم صادر عن المديريّة العامّة للأمن العام اللّبنانيّ، إلى الخطوط الجويّة اللّبنانيّة والقاضي “بعدم السّماح للأشخاص من الجنسيّة الفلسطينيّة اللّاجئين في لبنان بالعودة إليه على متن طائرات الإجلاء”، ومن سوء الطّالع الفلسطينيّ في لبنان، أنّ الفلسطينيّ يوسف بيدس، ساهم في تأسيس وتطوير شركة “الشّرق الأوسط” مع رئيس الوزراء حينها صائب سلام، وكلّ الظّنّ لو أنّ بيدس، يعرف أنّ الشركة الّتي أسّسها ستمنع الفلسطينيّ من ركوب طائراتها لما فعل ذلك.
يبدو الإعلام اللّبنانيّ، شريكًا صريحًا في بثّ العنصريّة تجاه الفلسطينيّ أو تشويه صورته، فعندما يقدّم الفلسطينيّ نموذجًا مفيدًا لا يذكر أنّه فلسطينيّ، كما حدث مع الشّابّ الفلسطينيّ صابر مراد، حين فدى نفسه ليوقف عملاً إرهابيًّا العام الماضي في طرابلس، هنا نُزعت جنسيته ولم تذكر في الأخبار، إنّما لو فعل الفلسطينيّ أيّ نوع من الأخطاء كأيّ إنسان لأصبحت الجنسيّة ملاصقة للاسم مع التّذكير بالفعل دومًا.
ولأنّ الإعلام يغسل العقول ويوجه الرّأي العامّ والعكس في مرّات قليلة، نجد العنصريّة تمتدّ إلى قسم كبير من الشّعب اللّبنانيّ، فحين ظهرت الحالة الأولى المصابة في فيروس “كورونا” في مخيّم الجليل، وقعت معركة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ بين صفحات محليّة تحرض على المخيّم لجعله منبوذًا، ولاقى ذلك عنصريّة فلسطينيّة مضادة تجاه اللّبنانيّ، فكيف نواجه العنصريّة، هل بالطّريقة نفسها؟
ممّا لا شكّ فيه، أنّ العنصريّة في لبنان فرديّة وجماعيّة، ومنها المنظّم والمبرمج، وليس الفلسطينيّ وحده ضحيّتها، لكنّ الفلسطينيّ في لبنان ضعيف إعلاميًّا مع حضور سياسيّ واقتصاديّ مؤثر، فالمطلوب سرعة في فضح الخطاب العنصريّ وتعرية صاحبه أخلاقيًّا، وليس الصّمت والتّعامل معه بطريقة دونيّة خائفة، فالمشكلة أنّ العنصريّ حين لا يجد من يواجهه يستمرّ و”يتفرعن” أكثر، والخوف هنا ليس مبرّرًا لأنّه مع تعاظم الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة في لبنان سيرتفع صوت الكراهية تجاه الأجانب لا سيّما الفلسطينيّ، ومن الأخطاء الفلسطينيّة في لبنان، أنّه لم يشكّل ممثلو الشّعب حتّى الآن مجموعات ضاغطة في الاقتصاد والسياسة، علمًا أنّ الإمكانيّات موجودة ومتاحة، تأكّد ذلك مع قرار وزير العمل اللّبنانيّ كميل أبو سليمان، في الصّيف الماضي، فلم يستطع أحد أن “يمون” عليه لإلغاء أو تأجيل تنفيذ الإجراءات الخاصّة بالعمّال الفلسطينيّين، فكيف سيتعامل الفلسطينيّ مع أجهزة الدّولة ووسائل الإعلام؟
عند كلّ أزمة أو عند التّفاخر الفلسطينيّ بإنجازاته في لبنان، نعود إلى مقال الزّميل طلال سلمان، تحت عنوان “الفلسطينيّون جوهرة الشّرق الأوسط” ونذكر إنجازات ومساهمات أجدادنا وهذا جميل؛ لكنّ التّغنّي بالتّاريخ من دون ملاحظة الواقع أو المستقبل، يندرج في إطار العطب الذاتيّ والعقم في إنتاج نخبة مؤثرة في المجالات كافة، ولا بأس من التّفكير بصوت عالٍ: نحن لا نملك قوّة ضغط أو جودة في التأثير عند صنّاع القرار اللّبنانيّين، مع أنّنا كلاجئين فلسطينيّين لدينا قدرة اقتصاديّة مجتمعيّة وعلاقات سياسيّة مع الأحزاب اللّبنانيّة، قدّمنا تنازلات لدرء الهواجس اللّبنانيّة من دون نيل الحقوق مع أنّنا ننفذ واجباتنا.
لنكن أقوياء في مجتمع لا بدّ من التّأثير فيه إيجابيًّا، وتشكيل “لوبي” ضاغط عبر سياسيّين ورجال أعمال ونخب ثقافيّة وإعلامية وعلاقات عامّة بعيدًا عن الحسابات الفصائليّة الضّيقة، ولمواجهة العنصريّة يجب توجيه خطاب مواجهة ذكيّ يخترق العقول والقلوب، مع التّذكير بالحقوق الإنسانيّة والقانونيّة وفقًا للمواثيق الدّوليّة، فلماذا لم تُرفع دعوى قضائيّة ضدّ أنطوان غانم؟ ولماذا لا يكون لدينا جيش إلكترونيّ لتوجيه الرّأي العامّ وفضح العنصريّة؟
أمّ المشاكل لفلسطينيي لبنان، أنّ طريقة التّفكير لممثلي الشّعب لديهم حساسيّة سياسيّة مفرطة، ومع الأسف، أنّ العنصريّة اللّبنانيّة تنتقل في مرّات عدّة عبر الجينات، وهذا يتكشّف في جزء من جيل ما بعد الحرب الأهليّة الّذي لم يعشها، ويمارس عنصريّته، في المقابل، نزعت الأجيال الفلسطينيّة الحقد، وبقيت في موقع الدّفاع، ولم تنتقل إلى الهجوم، لكن من يضمن أن يبقى الفلسطينيّ متلقّيًا للعنصريّة من دون الهجوم اللّفظيّ على أقلّ تقدير، ومع أنّ التّراكم الإيجابيّ في التّعامل مع اللّبنانيّين مفيد، لكنّه يحتاج لخطة فلسطينيّة شاملة لوقف العنصريّة، وما نيل المطالب بالتّمنّي..