/
الرّشيديّة تودّع “ناثر الحبّ”
مايو 15, 2020 5:31 م
مشاركة الصفحة
بقلم:إياد صنديد - صور

الرّشيديّة تودّع “ناثر الحبّ”

إياد صنديد – صور

بحبّ وبوجهٍ بشوش، كان عبّاس يستقبل زبائنه في محلّ المعجنات الّذي يعمل به، كان يقصده سكّان مخيّم الرّشيديّة، ليس لمذاق معجّناته اللّذيذ فحسب، بل لحسن استقباله ومزاحه اللّطيف، “ينثر الحُبّ على المناقيش”، هكذا يصف سكّان المخيّم عمله.
“بدي أمرق عند الصّيدلي أدفع ديون النّاس من أدوية وحليب”، هذه الجملة كانت آخر تسجيلات عبّاس على الواتساب، استشهد وهو يسعى لمساعدة النّاس وبلسمة جراح فقرهم، هكذا كان أسلوب حياته، ساعيًا وراء الخير، باذلاً ماله وجهده في مساعدة الفقراء، بَكته نساء المخيّم بحرقة، بكاه أطفال المدارس الّذين لطالما منح العديد منهم “منقوشة صباحيّة” دون مقابل، حتى الرّصاص بكاه.
كان يومًا أسود ثقيلاً على مخيّم الرّشيديّة، فقد خسر السكّان واحدًا من أعمدة المخيّم، اخترقت ظهرَه رصاصةٌ طائشة غادرة جرّاء الاشتباك الأخير الّذي حصل، استشهد هذا الجميل فداءً لدرب حياته، لم يحتمل مشهد أحد السكّان وهو يئنّ وجعًا من جرحه، فهبّ لنصرته وإسعافه، فكان آخر مواقفه الخيّرة، استشهد فوق جسد الجريح الّذي يحاول إسعافه، انتثر دمّه ليُلبس الشّمس سوادًا، بكت أمّه كما لم تبكي امرأة من قبل، صرخت: “عبّاااسِ”، حتّى كان صوتها أعلى من صدح المآذن، كانت المآذن خجولة أصلاً، لا تريد إعلان مغيب هذا اليوم، لا تريد إعلان وفاة عبّاس، حتّى السّماء لم تبالي بتغيّر الطّقس إلى صيفيّ ونثرت دموعها أمطارًا على المخيّم، فاتّفق الجميع، بأنّ السّماء تبكي عبّاس.
ذهب هذا الرّجل وترك وراءه طفلين بعمر الزهور، لم يصدّق ابنه الكبير مالك نبأ وفاة والده، ولغاية الآن يقول ذو السّنوات السّت: “بابا رح يجبلي معو قطايف”.
صعق سكّان الرّشيديّة على فراق عبّاس، وتأثر كلّ من يعرف هذا الشابّ، لأنّه ليس خسارةً للرّشيديّة وأهلها فحسب، بل خسارةً لكلّ فلسطين.




تحميل...