يقول الراوي: – كما جاء عن وهب بن منبه ﻓﻲ كتابه (التيجان ﻓﻲ ملوك حميَر) – إن لقمان بن عاد الرجل الحكيم والصالح كان يدعو ربه قبل كل صلاة أن يعطيه عمراً أطولَ من عمر أي إنسانٍ آخر، وأنه سأل الله أن يعطيه حياة سبعة نسور.
وتنسب شخصية لقمان بن عاد وفق الموروث العربي ﺇﻟﻰ قبيلة عاد التي ورد ذكرها ﻓﻲ القرآن الكريم، {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}. وعاد قبيلة قديمة، وصلت أصداء أخبارها ﺇﻟﻰ عصر ما قبل الإسلام.
نلاحظ ﻓﻲ هذا الجزء من القصة أنها تقوم على سؤال الحياة والموت، أي “مأزق المصير” الذي طالما عبرت عنه القصص والملاحم القديمة!
لنغوص في قصتنا ورموزها المخبوءة المعلومة في الوقت نفسه، وما ورد ذكره ليس سوى من باب الاستدلال أو الاستهلال أو لنقل التقديم والمقاربة عن أكثر من سبعة عقود من العلو والإفساد في الأرض، قامت على شغف الإيغال في الدم الفلسطيني والعربي والمسلم، وارتكاب العديد من المجازر سبقها كذلك عقود من التخطيط والتمهيد، وصولاً إلى إحلال أو محاولة إحلال لم تبلغ مرحلة الاكتمال المطلوب، لشعب مكان شعب آخر من السكان الأصليين أصحاب الأرض والحق والموروث والتاريخ والجغرافيا، وكل ذلك تحت حماية ورعاية المنظومة الغربية وبدعم منها ومن المنظمات الصهيونية على كذبة موروثة لهؤلاء الواهمين من اللقطاء “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، بل أنهم هم أصحاب الأرض والحق والعبور الأول! هي فكرة قام بالترويج لها زعماء الحركة الصهيونية أمثال إسرائيل زانجويل وثيودور هيرتزل، ونتج عنها إحدى أعظم الكوارث الإنسانية التي حدثت في القرن العشرين ألا وهي تهجير الفلسطينيين قسراً عن ديارهم وأوطانهم بعد سلسلة من المجازر والقتل والتدمير وعلى قاعدة إتباع سياسة “الأرض المحروقة”! بهدف بث الرعب والخوف في نفوس أصحاب الحق.
اليوم ومع انتهاء أطوار النسور السبعة، واشتعال الجبهات كافة من فلسطين المحتلة بكل بقعة فيها وبتلاوينها كافة إلى كل ساحات حضور المقاومة، وفي ظل حالة الغليان الداخلي الذي وصل إلى مشارف الاقتتال الداخلي الإسرائيلي، يقترب المحتل ومعه الحركة الصهيونية ككل، أكثر فأكثر من “لعنة الثمانين”، ولمن لم يكن من المتابعين أو المارين على عجالة نستدل؛ بالنبوءات الإسرائيلية في “التناخ”، العهد القديم، والتي تقول إن انهيارات “مملكة إسرائيل” كانت أسبابها داخلية، حيث تنشب الصراعات بين “قبائل إسرائيل”، وفي النهاية فإن الله سيفعل كما فعل سابقاً: “مزّق مملكتهم تمزيقاً”، وهذه الأسباب الداخلية التي لها شواهد حاضرة اليوم حتى وإن خبت بعد حين، يضاف إليها واقع ما وصلت إليه المقاومة واستدامة القتال ورفع حدته بدرجة غير مسبوقة.
ونقول إن هذه النبوءات باتت اليوم تأخذ حيّزاً من الخطاب الإسرائيلي الداخلي بل والعلني مع دخول الكيان عقده الثامن، وتترجم سياسياً بهاجس القلق من تفجّر الانقسامات الداخلية.
هذه القراءة التي قال بها مؤخراً، العديد من حاخامات وقادة العدو وعلى رأسهم رئيس الحكومة الأسبق، والجندي الخبير بالعلوم العسكرية والسياسية كما يزعمون، إيهود باراك، في مقال لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، حيث يعبر باراك الصهيوني عن مخاوفه من “حالة الانقسام الداخلي” الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي، والكراهية الموجودة بين كل الفئات، يضاف إلى ذلك كله إدراك وإيمان عميق من أصحاب الحق والتاريخ، لحالة الهذيان والضعف التي تعصف بالاحتلال.
ولقد سبق باراك رئيس كيان الاحتلال الأسبق رؤوفين ريفلين، ورئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، الذي قال قبل سنوات، في تصريح نقلته صحيفة “هآرتس” وتحديداً في العام 2017: “إنه يتوجب على إسرائيل أن تستعد من الآن لخطر وجودي لكي تتمكن من الاحتفال بالذكرى المئوية لإقامتها”.
إن الصراع القائم واشتعال الجبهات وارتفاع منسوب العمليات الفدائية في كل بقعة من فلسطين بكل كتائبها المقاومة بل وحالة الاستنهاض العامة، بات يؤكد لنا أن أصحاب الحق والأرض من شعب فلسطين التاريخية، فلسطين التراث والحضارة والمقدسات باتوا أكثر قرباً من أي وقت مضى من الشعار الذي تم رفعه قبل سنوات و”اقترب الوعد”، حتى وإن شهدنا صعوداً تارة وهبوطاً تارة أخرى، وحتى وإن شهدنا المزيد من المجازر الصهيونية في ظل التهديدات القائمة بعدوان جديد لا سيما على قطاع غزة، وما كشف عنه ما يسمى زعيم المعارضة يائير لابيد بأن “كل الموشرات تشير إلى التحضير لعملية عسكرية على عدة جبهات لاستعادة قوة الردع وقطع الطريق على استراتيجية المحور الجديد (توحيد الساحات)”، ولكن رغم كل التهديدات القائمة لا تراجع عن هذا الإيمان والحق الراسخ في عقيدتنا وعقولنا ووعينا بأن كيان الاحتلال يشهد مرحلة غير مسبوقة تقربه أكثر فأكثر من الزوال والاندثار، وأننا بتنا أكثر قرباً من وعد الله الحق بالانتصار والتحرير الكامل ويسألونك {مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.