تسجل الدوائر الرسمية في لبنان آلاف الزيجات بين الفلسطينيين واللبنانيين. فيدخل المخيم أنسباء جدد من اللبنانيين. ومنه أيضاً يخرج شبان وشابات لعيش حياة اجتماعية أسرية جديدة مع شركاء لبنانيين. صمود غزال، ولدت في مخيم برج البراجنة جنوبي بيروت، لأب فلسطيني استشهد خلال الثمانينيات. اخذها اختيارها إلى الزواج من شاب لبناني، وسكنا معاً في الاشرفية. تقول صمود إنها انتظرت بشغف أن تصل إلى المرحلة الجامعية ليتاح لها الخروج إلى ما وراء إطار المخيم، حيث هناك بعض الفلسطينيين لم يخرجوا من المخيم لسنوات طويلة وكأنه بات حبساً اختيارياً لهم، و”لكن لم أتوقع أن أنتقل من بيت المخيم إلى عمارات الأشرفية، التي كنا نسمع عنها صغاراً لا أكثر”.عودة إلى المخيمتأتي صمود، إلى المخيم أسبوعياً مع زوجها وطفلتيها، لزيارة أهلها وأقاربها. “كلما اقتربت من مكان ولادتي وطفولتي أشعر أنني أزور بلدي، الذي لم أره إلا من وراء حدود أو على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي”. تقول “إن بيئة المخيم تتمسك بالهوية الجماعية لشعب لا يملك وطناً، ومع أني أملك الآن بطاقة تعريف كلبنانية بعد حصولي على جنسية زوجي، إلا أن في القلب أموراً لا تكتب في الوثائق الرسمية، وأهمها أني فلسطينية بالجينات، ولي ذكريات كثيرة في المخيم”. عندما تسير صمود مع طفلتيها في أزقة المخيم، تخبرهما أنها ولدت هنا، وتعلمت في هذه المدرسة، وكانت تشتري المثلجات من هذا الدكان. تريد أن تحب ابنتاها فلسطين ولبنان معاً، وتدندن لهما أغاني تراثية فلسطينية قبل النوم وخلال اليوم. حين تناديها طفلتها الكبيرة بـ”يمَّا” باللكنة الفلسطينية، تقول صمود “يكاد قلبي يتوقف عن الخفقان. كما أن الفوارق تتلاشى وتنكسر الحواجز لأننا نبني جيلاً جديداً لا يفرق تبعاً للجنسية أو المنطقة”.تعتبر صمود، وهي صحافية، أن “في خارج المخيم تفاصيل تكشف عن نظرة الآخر للفلسطيني. فكثير من الأصدقاء اللبنانيين ينادونها بـ”صمود الفلسطينية”، وهذا لا يضايقها بقدر ما يجعلها تجاهر أكثر بفلسطينيتها خصوصا في بيئة الأشرفية، التي لم تتعود بعد على تواجد الفلسطيني فيها، وحيث- كما تقول- “الأوضاع مختلفة تماماً. في الأشرفية، أعيش في مبنى متعدد الطوابق ونستخدم مصعداً، أما في مخيم برج البراجنة فالخصوصية شبه مفقودة، والبناء عشوائي من دون تنظيم مدني، الأزقة ضيقة والكهرباء تنقطع باستمرار وشرائطها تعانق مواسير المياه. والمياه مالحة ويجب شراؤها وتعبئتها في الخزانات. المخيم معاناة يومية وتفاصيل متعبة ترهق كاهل اللاجئين وتمنعهم من التفكير خارج الصندوق، ولا تمنحهم فرصة الإبداع الجماعي، فالهم الأساسي هو تأمين المتطلبات المعيشية قبل التفكير بتعلم الموسيقى مثلاً، كما أفعل مع بناتي حالياً”. تضيف: “في المخيم الجميع يعرف بعضه البعض، والكل يساعد الكل في المناسبات الحزينة والسعيدة على حد سواء، لكن في الأشرفية تشعر أحيانا أنك تعيش لوحدك في الشقة. المعارف قلّة، وحتى الآن لا أعرف كل أسماء الجيران في البناية. الرفاهية متوفرة هنا، يمكنك أن تمارس رياضة المشي في أي وقت، أما في المخيم فلا مساحات خضراء، أو مكان للعب أو ممارسة أي رياضة فردية”. ترى صمود أن “الفوارق المجتمعية كثيرة، فيكفي أن تذكر لأحدهم مكان السكن في الأشرفية، حتى يظن فوراً أنني من الطبقة البرجوازية، أو يشير إلى انتماء سياسي معين”. وتشير إلى أنه “بعد انفجار بيروت في آب الماضي، تعرفت إلى غالبية الجيران، وفوجئوا أني فلسطينية أسكن هنا منذ عامين ولا يعلمون ذلك. ربما جمعتنا المصيبة وتكافلنا مع بعضنا، وأصبح بيننا تعاون لا سيما في مجال الإغاثة. لكن لو أن هذه الكارثة حصلت في مخيم فلسطيني لكان التكافل والتعاون أكثر، ربما لأن الناس تعرف بعضها وتثق بالآخرين أكثر. وهذا شهدناه خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، فالمخيمات استنفرت لاستقبال النازحين وقدمت المعونات التي تستطيع تقديمها.” توضح أن “الأوضاع المعيشية لجزء كبير من الشعب اللبناني تتساوى مع أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات جرّاء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان حالياً. لكن الحياة تبقى في الأشرفية بشوارعها وناسها مختلفة تماماً. لقد سكنت في بداية زواجي في الضاحية الجنوبية، وأيضا كانت الأمور مختلفة عن المخيم، إلا أن السكن في الأشرفية مغاير تماماً”.صمود تحب لبنان بكل مناطقه، لكن “ماذا لو تحررت فلسطين؟ هل أبقى في لبنان أم أعود إلى بلدي الأم؟”.#جسور#لجنة_الحوار_اللبناني_الفلسطيني#تفاعلhttp://www.lpdc.gov.lb/cat/LPDC-Article/610/ar