/
سأحاول مرة أخرى!
مارس 12, 2021 9:54 م
مشاركة الصفحة
بقلم:إبراهيم كايد

وُلد فادي، في مدينة طرابلس شمال لبنان. ولم يغادرها منذ 32 عاماً، ففيها أمضى طفولته وشبابه وزواجه. لا يشعر بالغربة فيها باعتباره فلسطينياً، فالفقر يجمع أبناء المدينة، كما يقول. حاله يشبه كثيراً حال هذه المدينة المحرومة وأهلها الباحثين بصبر عن كفاف يومهم. يمتلك فادي، حافلة صغيرة قديمة يقلّ بها الطلاب إلى مدرستهم. كانت “الحال مستورة”، لكن مع بداية أزمة كورونا، وقرارر الدولة إقفال المدارس والتعليم عن بُعد، وما صاحب ذلك من انهيار اقتصادي في لبنان، فَقَد عمله ولم يجد بديلاً يمارسه لتأمين قوت عياله. بحث كثيراً، لكن الأبواب كانت موصدة، فإذا كان اللبناني لا يجد عملاً له، فما بالك بالفلسطيني، حسب رأيه.طال الوقت، وبدأت الديون تتراكم عليه، وليس في الأفق ما يشي بإمكانية الانفراج. سمع من أحد أصدقائه أن سمساراً يريد أن يُبحر من طرابلس إلى إيطاليا مقابل مقابل معقول، وأنه يبحث عن مهاجرين. ذهب وتشاور مع زوجته، فعارضت الأمر بشدة، لكن بعد نقاش وتفكير طويل وأمام انسداد الخيارات وافقت.باع فادي، باصه القديم بأقل من قيمته، ودفع للرجل مبلغ 1600 دولار، وترك مع زوجته مبلغاً بسيطاً كي تتدبر أمورها. انطلق برحلته باكراً إلى ميناء طرابلس. كان هناك خمسة قوارب على الشاطئ، على كل منها نحو 25 شخصاً من جنسيات مختلفة، ومن بينهم نساء وأطفال. كانت القوارب متهالكة. تقدم سائلاً أحد السماسرة عن الأمر فأجابه: “كلها سوف تُصادر، ولا يمكن تأمين قوارب أفضل من هذه بالمبالغ المدفوعة”.بدأت الرحلة. كان كل شيء يسير على نحو طبيعي. في اليوم الثاني بدأت المياه تنفد والطعام يقلّ. وكان على كل راكب تناول وجبة خفيفة وقارورة مياه صغيرة طوال النهار. عند غروب اليوم الثالث هبت عاصفة شديدة، فأخبرنا القبطان أن علينا تغيير مسار الرحلة باتجاه قبرص. وبالفعل وصلنا إلى منطقة تسمى ليماسول، وعرفنا بعد ذلك أنها جزء من قبرص. هناك منعتنا زوارق حربية من الاقتراب. بقينا وسط البحر والقارب يترنح بنا بشدة، ويدخله الماء، بسبب الرياح العاتية والأمواج العالية. ازداد خوفنا وقلقنا كثيراً، وعلا صراخ النساء وبكاء الأطفال، وصرنا جميعا نطلب النجدة بإصرار من الزوارق الحربية. بعد خمسة عشر ساعة اقتربت منا الزوارق واقتادتنا الشرطة إلى مركز للإيواء قرب الشاطئ. مكثنا فيه عدة أيام. في اليوم الثامن استدعتنا الشرطة لإجراء فحوص كورونا كما أخبرونا. جهزنا أنفسنا واصطحبونا إلى بعض القوارب، ثم تفاجأنا بعد ذلك بأنهم يعودون بنا قسراً إلى لبنان. يقول فادي: “عدت مجدداً إلى عاصمة الشمال، ومشاعر الخوف واليأس والخيبة تغمرني. ذهبت إلى المنزل، فتفاجأت زوجتي بي، احتضنتها وأولادي بقوة. سالت دمعة على خدي، وقلت لزوجتي: سامحيني حاولت ولم أستطع. سأبذل كل ما بوسعي، وسأحاول إعادة الكرة مرة أخرى، ولن أترك أولادي ليموتوا من الجوع”.




تحميل...