/
اللاجئون الفلسطينيون و”كورونا”: عزل اجباري وطوعي
مارس 12, 2021 9:42 م
مشاركة الصفحة
بقلم:تجمع الإعلاميين الفلسطينيين "تفاعل"

يزيل فراس، عن سيارته كل ما يرمز على فلسطينيتها. علم فلسطيني صغير معلق في سقف سيارة الأجرة، ملصق صغير على الزجاج الخارجي يشير إلى حق العودة، وبعض الاكسسوارات الموزعة على أبوابها ومراياها. 
كان فراس يُكثر من تلك الزينة، فهي تمنحه شعوراً بالوطنية والانتماء، وتلجم قليلاً من حنينه لقريته أم الفرج في شمال فلسطين، حسب قوله. لكن مع ازدياد الإصابات بفيروس “كورونا” في مخيم الرشيدية جنوبي لبنان، أصبحت تشكل هذه المقتنيات الصغيرة عائقاً لاستقطاب الركاب.  يقول فراس أو أبو الفدى، كما يلقبه أصحابه في المخيم، إنه “عندما بدأت المواقع الالكترونية تنشر عدد المصابين بالفيروس في المخيم، زاد خوف الناس في المحيط اللبناني، وكان التصور أن المخيم أصبح بؤرة للمرض، أصبح الركاب يفضلون السائق اللبناني على الفلسطيني”. ما اضطره لإزالة الاكسسوارات.يقول فراس بسخرية: “مع الكورونا، ختمنا كل انواع البؤر، من أمنية واقتصادية واليوم صحية،ولا مرة كنت أحس بالخوف وأنا عم اسوق. بالعادة في عالم بتخاف من الحوادث. بس أنا لأ. لكن هالفترة صرت عم أخاف من كورونا. عندي ولاد وعيلة وبخاف انصاب خلال احتكاكي بالركاب”. صادف خروجنا من مخيم الرشدية نحو صور، حاجز لـ “الهلال الأحمر الفلسطيني” يوزع كتيبات توعية وكمامات على المارة والسيارات. بينما كان عدد من  متطوعي الجمعية يلصق صوراً على جدران المخيم، لتوعية الناس من خطر الفيروس. أعجب فراس، بالمبادرة.يعيش ابو الفدى، في منزل صغير بالمخيم، ولديه عائلة من خمسة افراد. ويعمل سائق اجرة منذ أعوام لتأمين احتياجات أسرته. ومع تأزم الوضع الاقتصادي وتفشي الفيروس، أصبحت ظروفه المعيشية أقسى. 
يروي أنه “كل يوم بشوف أشكال ألوان. صرلي عمر عالتاكسي. بحب المهنة. مافيها روتين. لكن أول مرة بحس حالي أكرهها. ما فيّ أقعد بالبيت لأن عندي ولاد بدها تاكل وتشرب، وبنفس الوقت بخاف افوت عالبيت واكون سبب نقل المرض لعيلتي.” ويتابع: “شو بدي أعمل، مضطر يعني. عم حاول قد ما في التزم بالإجراءات والتعليمات، ولما كان في اغلاق متنا من الجوع. والآن لا يفارقني المعقم وملتزم بعدد ركاب معين.”

الفيروس أبعد الزبائن محمد مرشد (24 عاماً)، أحد المصابين الذين تعالجوا من “كورونا” في تجمع المعشوق جنوبي لبنان. أصيبت والدته في بداية الأمر. لم تظن عائلتها أنها التقطت الفيروس. لكن مع تأزم حالتها، أدخلوها للمستشفى. طلب الكادر الطبي اجراء فحص PCR لها فتبين أنها مصابة.
يقول: “بعد أن اطلعت على التقرير انصدمت. ما عرفت شو بدي اعمل؟ كنت خايف على أمي، وصار يلي كنت خايف منه”. تجربة محمد لم تكن سيئة من ناحية المعاناة مع المرض وأعراضه فحسب لكن تبعات هذه الإصابة كانت قاسية. منزل العائلة صغير بثلاث غرف وعدد أفراد العائلة سبعة. لذلك كانت ظروف الإصابة صعبة وعملية العزل أصعب.
يقول محمد: “كان بإمكاني تفادي الإصابة، لكن منزلنا صغير ولا املك مكاناً آخر للحجر. فما كان الا أن نصاب جميعاً في العائلة وندخل في دوامة الفيروس”.
لم يكن “كورونا” هو الاصعب على العائلة، بل حمله الاقتصادي كان ثقيلاً أيضاً. بدايةً، وبعد ضغط أمنت “الاونروا” التكاليف. أما من جهة الادوية والمعقمات والاغذية، فكانت التقديمات خجولة ومقتصرة على بعض الخيرين. شعرنا أثناء العزل أننا نعيش في جزيرة وحدنا، “كلو بيخاف مننا وما حدا بيقرب علينا وبيتنا كتير صغير وما في مساحة نرتاح فيها”. 
أنهى محمد وعائلته الحجر المنزلي وتماثلوا للشفاء. يفتح الشيخ (كما يلقبه سكان المعشوق) محله. يتمتم ببعض الادعية الصباحية وينتظر الزبائن. يشير الى أن “حركة البيع انخفضت كتيراً بعد إصابتي. يمكن الناس بعدها خايفة، والمحل منعيش من وراه. هالفايروس ضرني كتير”.
يلقي ابو عبد الله، التحية على محمد، ويسأله عن حاله الصحي مطمئناً. يجيب محمد، بوجه بشوش كسّر كل معالم الأسى ويقول: “الحمد لله يا أبو عبد الله، الشكر لله انو بعتلنا واحد متلك يوقف معنا”.

“كورونا” تمنع الاحضان
أبو عبد الله التكلي هو مسؤول فوج الدفاع المدني في مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين. تابع حالة محمد مرشد وعائلته، كان يزورهم بشكل متكرر، يحضر لهم الاغراض والمعقمات. 
يتعامل التكلي، وعناصر فوج “الدفاع المدني الفلسطيني” مع حالات الاصابات بفيروس كورونا في المخيم والجوار. ينقلون المرضى بسيارة الدفاع المدني إلى المستشفى في حال لزم الأمر. يحضرون لهم حاجاتهم. يعقمون الاحياء والمنازل اضافة إلى دفن الموتى من ضحايا الفيروس. 
يقول التكلي: “انزعج كثيراً عندما أجد استهتاراً بالفيروس، أو عدم تصديق به من الناس، يلي عم شوفو كتير صعب، في ناس بتشتهي تتنفس، وفي ناس تكون معزولة لحالها ووحيدة ما حدا يجرؤ يقرب عليها”.
ويتابع: “أصعب المواقف هي عند الدفن، قديش صعب يكون المتوفي ابوك او أمك ومش قادر تودعه أو حتى تلمسه، كل شي بيصير من بعيد لبعيد”.
تجربة “كورونا” جعلت من التكلي أكثر حذراً، فلديه عائلة مؤلفة من خمسة أفراد. يعود إلى منزله إلى الحمام مباشرةً، وحتى عند الانتهاء من الاغتسال لا يقترب من أولاده. ويقول “ولدي الصغير اسمه جمال، عمره خمس سنين، هاد المدلل، صرلي ست أشهر ما عبطته، مشتاق له كتير، لكن ظروف عملنا بتحكمنا”.
ضرب الفيروس أرجاء العالم، لكن كما في أي حادث هناك متضررون أكثر من آخرين. اللاجئون الفلسطينيون هم من أكثر المثقلين بأعبائه. فالظروف الصحية والأوضاع الاقتصادية لا تعزز صمودهم والبيئة غير ملائمة للحجر. ويعيش اللاجئون المصابون وغير المصابين في عزل طوعي لحماية الاخرين أو جرّاء ارتفاع نسب البطالة والفقر في المخيمات والتجمعات الفلسطينية.




تحميل...