/
هل المصيبة توحّدنا؟
مارس 26, 2020 11:08 ص
مشاركة الصفحة
بقلم:زاهر أبو حمدة

حين خرج جيل النّكبة من فلسطين وسكن الخيام، كانت الأوضاع المعيشيّة أكثر بؤسًا ممّا يعانيه أهالي المخيّمات حاليًّا. حينها عاش اللّاجئون صيفًا وشتاءً لعقود في الخيام القماشيّة أو داخل “بركسات الزّينكو”، واعتاش أجدادنا على ما تقدّمه “الأونروا” من مُعلّبات. لكنّهم صبروا وتحمّلوا الوضع المعيشيّ وملاحقات وظلم المكتب الثاني وجيش الاحتلال، وحاولوا التّخلّص من روح الهزيمة جرّاء خسارة الوطن والأرض والهويّة. ترك الأجداد لأحفادهم بيوتًا من حجارة داخل اثني عشر مخيّمًا، إضافة إلى بندقيّة يمكن الدّفاع بها عن النّفس عند الحاجة وليس للاقتتال الدّاخليّ.
فعلاً، تتأثّر المخيّمات أكثر من غيرها في ظلّ الأزمات العاصفة في لبنان، لا سيّما أنّ نسب الفقر والعوز والبطالة مرتفعة وقد تلامس الـ80 % في خلال العام الحالي، بعدما كانت نسبة الفقر 65 % عند اللّاجئين الفلسطينيّين في لبنان و56 % نسبة البطالة وفقًا لإحصائيّات “الأونروا” عام 2015.
إذا قارنا بين أحوال الأجداد والأحفاد، نكتشف أنّ الظروف لا تتشابه بتاتًا ولأسباب عدّة.. لكن التغيّر الأهمّ حصل في الرّوح الجماعيّة للشّعب الفلسطينيّ. جمعت مصيبة النّكبة اللّاجئين وتقاربوا أكثر وخدموا بعضهم بما يستطيعون. في أيّ عائلة، تروي الجدّة ويقصّ الجدّ حكايات حول مساعدة فلان لعلّان من دون مِنّة؟ وكيف تحوّلت الخيمة بأرضها الموحلة إلى باطون وحجارة بسواعد الجيران.. لكن، ومع الأسف، تبدّلت النّفوس إلّا من رحم ربّي، لذلك أصبح المخيّم طبقتين، إما ميسورة أو يأسرها الفقر، ومن يمتلك راتبًا شهريًّا جيّدًا، هرب أو يحاول الهرب من المخيم، وكلّ لديه دوافعه، ليصبح المخيم للفقراء فقط. والفقر ليس عيبًا، إنّما تسوّل وجبة يوميّة أو إذلال النّاس من أجل كرتونة مونة قمّة العيب.
نحن في مخيّمات لبنان أمام محنة وليست أزمة، وبحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الكارثة، وهذه من مهمّات “الأونروا” والفصائل ومؤسّسات المجتمع الأهليّ، فحين تجد عوائل لا تملك ثمن ربطة خبز أو لا يستطيع مريض تأمين ثمن الدّواء؛ نحن أمام مشكلة مجتمعيّة تتحوّل وفق سياقها إلى كارثة أخلاقيّة معروفة توابعها، يبدأ الحلّ فرديًّا ذاتيًّا، لا سيّما من رجال الأعمال الّذين استغلّ بعضهم القضيّة الفلسطينيّة، ليصبح من أصحاب الملايين.. معيب فعلاً – على سبيل المثال – أنّ أصحاب المولّدات لم يخفضوا التّسعيرة في هذه الظّروف، علمًا أنَّ أرباحهم معروفة ،خصوصًا أنّ التّسعيرة في الجوار اللّبناني أقلّ وساعات التشغيل أكثر.
ويأتي دور العائلات ولجان الأحياء لتتكاتف وتسأل عن المحتاجين من دون وساطات أو مزاجيّة أو ابتزاز، ولعلّ من أجمل الحالات في شهر رمضان هو “الصحن الدوّار” حيث تهدي كلّ عائلة جيرانها طبقًا من الطعام، فلتكن كلّ أيّام المخيّم أيّامًا فضيلة. أمّا دور الفصائل واللّجان الأمنيّة، يبدأ بمراقبة الأسعار وتأمين قدر الإمكان مساعدات عاجلة، ليس تموينيّة فحسب، بل تأمين مدخول شهريّ للعائلات الأكثر فقرًا. ويبقى الدور الأساسي لـ”الأونروا” ومهمتها الرئيسة بعد إعلان حالة الطوارئ أن تؤمّن كلّ الحاجات للّاجئين.
تظهر معادن النّاس عند المِحن، فالإنسان الصّادق المؤمن طاهر لا يفيض منه إلا خيرًا، وخيرًا فقط، والمنافق كافر وكل ما تحصده منه شرًّا، وشرًّا فقط، وإن كان ظاهره خيرًا. وأصل الفلسطيني يمتاز بالشّهامة والخير المستدام، فكيف في “حرب التّجويع” داخل مخيماتنا؟ فالمصيبة لا بدّ أن توحّدنا للخروج من هذا المأزق المجتمعيّ لمواجهة خطة دونالد ترامب، لتصفية القضيّة ومهمّة الشتات مهمّة جدًّا. وما نحتاجه في هذه المرحلة هو التّكافل الاجتماعيّ الفرديّ والجماعيّ، لتكون العدالة الاجتماعيّة، وتمتين العلاقات الأخويّة، عبر التّعاون والتّشارك والتّراحم.




تحميل...