يخضع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان لظروف اقتصادية ليست استثنائية على مسار حياتهم في لبنان. فالواقع الاقتصادي الحاد الذي يعصف بلبنان تتأثر به المخيمات والتجمعات الفلسطينية، ولكن صراخ الجوع من بعض الأزقة لا تسمع ولا توثق أناتها الكثيرة كل يوم.يقول أبو أحمد، بائع خضار في مخيم مار الياس، إن “أنواع خضرة كثيرة ما عدت جبتها ولا عاد أفكر أجيبها عم تبات وما حدا قادر يشتريها، الأسعار طارت وعم تطير كل يوم…. وكلو بقلك الدولار طالع ونازل، شو دخل الدولار بزرع الأرض”. ويؤكد أن عشرات العائلات في المخيم لم تعد تشتري الخضار والفواكه مثلما كانت، وبعضهم بات يطلب “حبة أو حبتين ليمشي حالو”. حديث البائعين في المخيم يدل على خسارتهم اليومية وبطبيعة الحال انضمامهم إلى دائرة الفقر في المخيم التي أدت إلى ارتفاع مبالغ في الديون عند معظم البائعين. فيذكر أحد الباعة في المخيم أن دفتر الدين لديه وصل المبلغ فيه إلى نحو ثلاثة ملايين ليرة، وهو مضطر للصمت وعدم المطالبة، فمعظم أهل المخيم ليسوا قادرين على دفع ما عليهم.دكان آخر لأبو زهدي في مدخل المخيم الغربي ليس أحسن حالاً، ولكنه ينذر بأمور تبدو أسوأ، فأصناف البقالة لديه بعضها بات يكسد لعدم قدرة الناس على الشراء، ويذكر أن عائلات كانت تشتري كيلو أرز، لكنه اليوم يلاحظ أنها إذا اشترت فإنها تكتفي بنصف كيلوغرام. ويبدو أن الأمور انسحبت حتى على مشتريات الأطفال من أكياس بطاطا وشوكولا، فبعد ارتفاع أسعارها يقول أبو زهدي، إن عدداً كبيراً من الأطفال “مصروفهم لم يعد يكفي لكل شي بيشتهوه”.على مقلب آخر، في الإغلاق الكلي خلال العام الماضي بادرت الأونروا والعديد من الفصائل والمؤسسات الأهلية لتقديم المساعدات الغذائية والمادية أحياناً للعائلات في المخيمات، لكن في الإغلاق الحالي الممدد حتى الثامن من شباط/ فبراير الحالي، لم يبادر أحد لتقديم أي شيء للاجئين.خلال جولة في زواريب المخيم، ومقابلة عدد من اللاجئين، قال أحدهم مفضلا عدم ذكر اسمه، إن “الأونروا مطالبة أولاً وآخراً، وهي المسؤولة عنا ولا ليش اسمها لإغاثة الشعب الفلسطيني”. يؤكد محمود كلامه ولكنه يرفض إهمال الفصائل لدورها بين اللاجئين مذكراً أن “الفصائل لازم تضغط ع الأونروا وخليها تدعي اللاجئين للاعتصام وشوف كيف كلنا مننزل.. همه يقولوا بس”.يبدو الحديث مع بعض اللاجئين عينة صغيرة لأحاديث تتكرر يوميا بمناسبة أو بلا مناسبة، وهذا حال جميع المخيمات، ففي الشمال خرج أهالي مخيم نهر البارد يوم الجمعة الماضي بتظاهرة جالت شوارع المخيم لمطالبة المسؤولين عن الشعب الفلسطيني في لبنان بتحمل مسؤولياتهم باتجاه الشعب الفلسطيني، ورغم أن الهتافات هناك طالت الأونروا بشكل رئيسي إلا أنها لم توفر الفصائل والقوى الفلسطينية. ومثل هذه الأصوات باتت تسمع بشكل شبه يومي عبر تقارير إعلامية تبثها منصات تعمل في المخيمات.لم يعد الأمر يبدو كما نستخدم عادة نحن الصحافيين، الأمر بات واقعا، هناك جوع في معظم المخيمات، هناك أمعاء تنام خاوية ورجال تئن ليلا وتدعو الله أن لا يطلب ولد في الصباح “أكلة فيها لحمة”.#تفاعل