/
انتفاضة الحجارة مسيرة نضال ومقاومة
مارس 26, 2020 11:04 ص
مشاركة الصفحة
بقلم:أحمد الصباهي

بقدر ما شكلت الانتفاضة الفلسطينية حدثِا استثنائيا بحد ذاتها لجهة شمولها كافة أرجاء الوطن، حيث شكلت حادثة استشهاد أربعة عمال فلسطينيين في جباليا في قطاع غزة عبر اصطدام حافلة عسكرية إسرائيلية شرارة الانتفاضة التي شارك فيها كافة قطاعات الشعب الفلسطيني واتجاهاته العمرية، إلا أنها وبنفس الوقت تمثل محطة عظيمة من محطات تاريخ نضال الشعب الفلسطيني المستمر .فقد سبق هذه الانتفاضة محطات نضالية عديدة، لكنها لم تأخذ الحجم المطلوب من الاهتمام، وإن اعتبر البعض أن انتفاضة الحجارة حدث لم يسبق بحجمه تاريخيا فهذا يصح أيضا، نظرا للفترة الزمنية الطويلة كحدث مواجهة مع الاحتلال (1987 -1993 )، وخاصية الحجارة كسلاح في المواجهة ، ولعدد الشهداء والجرحى، وآلة القتل الإسرائيلية ومنها سياسة تكسير العظام بحق المشاركين فيها.
وبالنظر الى النتائج المباشرة لهذه الانتفاضة، فإنها بلا شك فتحت آفاقا جديدة أمام النضال الفلسطيني حيث كرّست انتقال مركز الثقل من الخارج الى الداخل، كما أدت الى بروز حركات المقاومة الإسلامية التي شاركت بقوة وفاعلية الى جانب الفصائل الفلسطينية. أما على الصعيد العربي فقد أعادت للقضية الفلسطينية أولويتها في سلم الاهتمامات العربية، بالإضافة الى التعاطف الدولي الكبير خصوصا بعد أن تكشفت جرائم ووحشية الاحتلال تجاه المتظاهرين .

* المراحل السياسية التي سبقت الانتفاضة :
خاض العرب حربين ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 و1973 ولم يتمخض عن تلك الحروب تحرير فلسطين ولا عودة اللاجئين، وفي تلك المرحلة بالتحديد تبلور تيار داخل منظمة التحرير الفلسطينية وصف “بالواقعي” يدعو الى إشراك العمل السياسي في النضال ضد الاحتلال، ترجم في ما سمي “برنامج النقاط العشر” وذلك في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد عام 1974 بعد أن كان ذلك الطرح مرفوضا بحزم . ولقد تبنى هذا البرنامج دحر الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية والقطاع، وإقامة قاعدة ثورية عليهما، والقبول بالمشاركة في الجهود السياسية الى جانب الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، متذرعا بالإضافة الى الواقعية السياسية أن هناك تأييدا كبيرا من قطاعات واسعة من سكان المناطق المحتلة لهذا النهج.
وبقدر ما اعتبر هذا الأمر تنازلا، إلا أن البعض يعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية حققت انتصارا سياسيا عبر هذا النهج لجهة ما تم تحقيقه في مؤتمر القمة بالرياض 1974 لجهة الإقرار بحق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير، وحقه في إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وصولا الى مشاركة الرئيس الراحل ياسر عرفات في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 والتي كرس فيها الحضور الدولي للمنظمة، وهذا الأمر لم يكن ليحصل لولا هذا التغيير في النهج.
لكن بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 عانت من استضعاف سياسي وحالة تهميش كبيرة، حيث لم يجر الكثير خلال تلك السنوات، فجاءت انتفاضة الحجارة لتشكل رافعة سياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية انتهت بتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993 .

*إرهاصات ومقدمات الانتفاضة والوضع الداخلي الفلسطيني :
يعتقد بعض الكتاب الفلسطينين أن قيام الاحتلال الإسرائيلي باحتلال بيروت عام 1982 لا يقتصر فقط على طرد منظمة التحرير الفلسطينية وإنهاء الوجود المسلح في لبنان، بل يتعدى ذلك الى القضاء على مقاومة السكان في فلسطين المحتلة وزرع اليأس في صفوفهم .
لكن صمود الفلسطينيين لمدة ثلاثة أشهر أدى الى العديد من الثورات الشعبية التي تميزت بطابعها الشعبي عام 1983 و1986 في الضفة وغزة والمواجهات التي دارت بين الطلاب والاحتلال، بالإضافة الى إضراب أربعة آلاف أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والمواجهات الكبيرة عام 1985 في القدس .
والى جانب كون الاحتلال المادي الإسرائيلي هو العامل الأبرز لتلك الانتفاضة، إلا أن سياساته قد أدت الى تشوهات كبيرة في بنية الاقتصاد الفلسطيني في القطاعات الزراعية والصناعية مما أثر بدوره بشكل سلبي على العمالة الفلسطينية، التي اضطرت مكرهة على العمل في الداخل الفلسطيني المحتل .
واندلعت الانتفاضة في 9 كانون الأول\ديسمبر عام 1987 وكانت البداية من غزة، لتنتقل الى الضفة الغربية والقدس، حيث تميزت بالفترة الأولى بالمواجهات الشعبية الواسعة والإضرابات والمظاهرات لمدة أربع سنوات، تلاها تنامي العمليات المسلحة، وقدم أبناء الشعب الفلسطيني في هذه الانتفاضة 1540 شهيدا، و130 ألف جريح، و116 ألف معتقل.

*بروز حركات المقاومة الإسلامية “حماس والجهاد الإسلامي” :
يرى بعض الكتاب الفلسطينيين أن بروز التيار الإسلامي شكل تحديا كبيرا لمنظمة التحرير الفلسطينية كونهم يرفضون برنامجها السياسي، والاعتراف بوحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، هذا إذا اعتبرنا أن العمل الإسلامي كبرنامج سياسي ونضالي دخيل على الحالة الفلسطينية، بينما يرى آخرون أن الإسلاميين كان لديهم حضورهم المقبول كجماعة الإخوان المسلمين ضمن معسكرات الشيوخ ضمن حركة فتح في الأردن (1968 -1970)، بالإضافة الى مشاركة الإخوان المسلمين في مصر للثورة الفلسطينية الكبرى (1936 -1939 ) .
ويرجع البعض حيوية الظاهرة الإسلامية في أوساط الفلسطينيين بعد فشل الأيديولوجيات القومية واليسارية والعلمانية في حل القضية ، فكان عام 1980 هو عام ظهور العمل الإسلامي المسلح عبر القيام بتأسيس خلايا قامت بعدة عمليات، لتنطلق بعد ذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي في انتفاضة الحجارة للقيام بعمليات نوعية الى جانب بقية الفصائل الفلسطينية .

*المسار السياسي لاتفاق أوسلو :
اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية أن الانتفاضة هي فرصة ذهبية ، خصوصا ما تركته من تداعيات على كافة الصعد، وبالتالي نظرا للظروف الدولية فهي باتت ناضجة كي تقدم على طرح مبادرة لحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا السبب عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته التاسعة عشرة في الجزائر عام 1988 حيث تم الاعتراف بالقوانين الدولية التالية 181 (قرار تقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية) ورقم 242 ودعت الى تسوية سياسية، معلنة كذلك “استقلال فلسطين”، وقد لقيت هذه القرارت معارضة حركة الجهاد الإسلامي وحماس.
وفي ذلك العام بدأ الحوار الفلسطيني الأمريكي على مستوى السفير الأمريكي في تونس وبعد حرب الخليج تسارعت وتيرة الاتصالات، وانطلق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وصولا الى توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وإنهاء انتفاضة الحجارة .

*ماذا حققت الانتفاضة من إنجازات :
ربما ينظر البعض أن انتهاء الانتفاضة بتوقيع اتفاق أوسلو هي ثمرة سلبية، لكن بالنظر الى حجم المشاركة الشعبية وطول الفترة الزمنية للانتفاضة أثبتت أن الشعب الفلسطيني مستعد للتضحية والقتال ولو بالحجارة، وأن لديه نفسا طويلا بالرغم من كل أساليب الاحتلال وإرهابه وقتله التي لم تمنع الفلسطيني من المواجهة، وقد برز في تلك الانتفاضة العمل الشعبي المقاوم من الأطفال والنساء والشباب، والتكافل الاجتماعي عبر التجمعات والجمعيات التي كانت تتولى الاهتمام بأمور الصحة والمعيشة لتشكل مع العمل المسلح رافعة قوية في مواجهة الاحتلال . وقد كشف الاحتلال عن الوجه العلني الإجرامي والذي صور بعدسات العالم متمثلا بالقتل وصولا الى تكسير عظام الشباب بالحجارة ظنا منه أن هذا كفيل بإيقاف الانتفاضة، وهو ما عبر بشكل واضح عن يأسه .
كما كان من ثمرات هذه الانتفاضة انتقال الثقل الكفاحي والنضالي المسلح الى الداخل الفلسطيني عبر عمليات نوعية قامت بها الفصائل الوطنية والإسلامية، ليبدأ عصر جديد من المواجهة العسكرية مع الاحتلال، وهو ما تبدّى بشكل واضح في انتفاضة الأقصى بعد سبع سنوات، وفي عصر الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث كان من الواضح جدا أن اتفاقية أوسلو لم تحقق الكثير .




تحميل...