/
ماذا لو قبل الفلسطينيون بقرار التقسيم؟
مارس 26, 2020 11:03 ص
مشاركة الصفحة
بقلم:صابر حليمة

لا يكف كثيرون عن لوم الفلسطينيين على ارتكاب “خطأ تاريخي” برفض قرار التقسيم، ذي الرقم 181، والصادر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947.
بل إن “مخيلتهم الواسعة” تسرح بأفكارهم إلى حد الادعاء بأنه لولا هذا “الخطأ التاريخي”، لكنا اليوم نحتفل بالذكرى الثانية والسبعين لـ “تأسيس الدولة الفلسطينية”.
بداية، يجب الانطلاق من مبدأ أساسي، يتمثل في عدم إمكانية الحكم على أي حدث تاريخي بـ “أثر رجعي”. فالحكم على أي حدث، يوجب العودة إلى حيثياته وظروفه في زمانه، لا الحكم عليه ضمن سياقات واعتبارات ورهانات الواقع الحالي.
بالعودة الى القرار الصادر قبل 72 عاماً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أعدته لجنة “يونسكوب” (UNSCOP)، وتعطي الدولة اليهودية المقترحة أكثر من 55% من أرض فلسطين، مقابل 45% للدولة العربية المقترحة، يلاحظ ان القرار لم يراع أن عدد السكان الفلسطينيين يبلغ ضعف اليهود القاطنين في فلسطين (ومعظمهم استجلبوا وليسوا من السكان الأصليين)، كما أن الفلسطينيين يمتلكون أكثر من 93% من إجمالي أراضي فلسطين.
لا يقف الجور عند هذا الحد، بل كانت معظم أراضي الدولة اليهودية المقترحة ساحلية وخصبة، بينما كانت معظم أراضي الدولة العربية المقترحة جبالاً وصحارى، بل وضُم إلى “دولة الأقلية” مدينة حيفا، وتحتوي على ميناء فلسطين الرئيسي، والمحطة الأخيرة لأنبوب النفط الممتد من العراق، ومستودع النفط للبلد كله، ومقر الشرائح التجارية الأنشط في المجتمع الفلسطيني، إلى جانب الأراضي المرتفعة التي ينحدر منها نهر الأردن، وبالتالي، السيطرة على المصدر النهري الرئيسي لمياه الدولة العربية، وبحيرة طبريا بثروتها السمكية، والمطار الوحيد في فلسطين قرب مدينة اللد..
اضافة الى ذلك، ووفق القانون الدولي لا يحق للجمعية العامة اصدار قرار بتقسيم دولة من دون موافقة أغلبية مواطنيها، كما أنها خالفت المبادئ التي قامت عليها، وخالفت قانون الانتداب، وشكلت لجنة موالية للحركة الصهيونية، ولم تكتف بذلك، بل وحينما اكتشفت الولايات المتحدة، في اليوم المقرر للتصويت على مشروع التقسيم، والذي كان في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، سخّرت نفوذها وضغطت لتأجيل التصويت لحشد مزيد من المؤيدين للتقسيم، حتى إذا جاء يوم 29، بدلت 8 دول تصويتها من الرفض أو الامتناع إلى التأييد، وهي: فرنسا، بلجيكا، لوكسمبورغ، نيوزلندا، هايتي، ليبيريا، غواتيمالا والفلبين، وذلك بفعل التهديد أو الإغراء الأمريكي-الصهيوني.
كان من البديهي، وقبل ذلك الوطني، أن يرفض الفلسطينيون بالإجماع ويقاوموا قراراً فيه هذا الكم من الظلم والجور وسلب الحقوق ونكث التعهدات.
كما أن ما جرى بعد قرار التقسيم، يدحض جميع ادعاءات هذا “الخطأ التاريخي”، إذ احتلت العصابات الصهيوينة خلال النكبة أراضي ضمن حدود الدولة العربية، ولم تضع “إسرائيل” حدوداً ثابتة لها طمعاً في كسب مزيد من الأراضي، وهو ما تم خلال نكسة عام 1967، باحتلال الضفة والقدس وسيناء والجولان، وها هي اليوم تحتل القدس وتسعى لشرعنة مستوطناتها بالضفة الغربية وضم غور الأردن وشمال البحر الميت..
كان رفض قرار التقسيم برمته صائباً من النواحي كافة، بحكم زمانه وما تلاه من أحداث على مدار سبعة عقود.




تحميل...