/
عن المخيم عندما يخسر صانع الألعاب
مارس 26, 2020 10:51 ص
مشاركة الصفحة
بقلم:محمد محسن

“مش إنت اللي لعبت معنا فطبول عالشط وطعميتك بيض؟”.
فاجأني بهذا السؤال شاب ضحوك لا أعرفه من قبل. تلعثمت، ثم ضحكت وأجبته بالنفي. وفي انتظار عودة صديقي من فرن في المخيّم، شرح لي إياد المقصود من عبارة “طعميتك بيض”. إنّه يقصد تمرير الكرة بين القدمين “يعني بيّضلك”. اليوم، وصلتني صورة الشاب الذي أضحكني سؤاله. تفاجأت بها، ضحكت، قبل أن يخبرني صديقي بأنّ هاني مات مصعوقًا بالكهرباء. الخبر ليس جديدًا. فلسطيني تقتله الكهرباء العشوائية على جدران مخيّمه. الخبر ليس مفاجئًا. فلسطيني يموت باكرًا. رُسل الموت يملؤون المخيمات. التراجيدي في الأمر أن رسل الموت هي عبارة تختصر ما نسمّيه في الحالات الطبيعية مقوّمات الحياة. كهرباء، ماء، بيوت، غذاء. في المخيمات الحياة تساوي الموت. يمكن أن تموت مقومات حياتك بسهولة، وتحيلك إلى كئيبٍ بلا حلم ينشلك نحو المواجهة على طريق حياتك في هذه البلاد المهترئة.
يقولون في المخيم إنّ هاني كان موهوبًا في كرة القدم، شرس في الملعب، يكره الخسارة. عاد من دورةٍ كرويةٍ في النرويج حالمًا بأن يصبح لاعبًا محترفًا. سرعان ما مات حلمه، مصعوقًا هو الآخر.
عشرون عامًا هو عمر هاني. لا يُسألُ الذي في مثل هذا العمر سوى عن حلمه. في المخيّمات يموت أتراب هاني قبل ان تصعقهم الكهرباء، أو قبل هجرتهم المؤلمة إلى المنافي عبر البحار التي يتركون لأمزجتها تحديد مصيرهم، أو عبر اختصارهم ببندقيةٍ، ليس مفهومًا معنى استخدامها بعيدًا عن قلب المواجهة مع الاحتلال في فلسطين. يموت هاني وأمثاله قبل أن يمسك بيدهم من يصقل مواهبهم كشبابٍ لهم أحلام ممتدّة.
حزين ليل المخيم. الشاطئ الموصول بحيفا وغزة حزين أيضًا. هذا الكلام ليس جديدًا أيضًا. مخيم فلسطيني حزين. هي سلسلة لا تنفصل كلماتها. الفارق في حزن الليلة أن المخيم خسر صانع ألعابٍ محتمل، كان يمكن أن يكون في استادٍ عالميّ يرفع قميصه بعد تسجيل الهدف ليضيء بقلبه على قضيته. خسر المخيّم صانع ألعابٍ محتمل. خسر فرحةً محتملة. بين هاني والموت، ربح الموت هذه المرّة. الموت صانع ألعاب المخيّمات. هزيمة قاسية في مباراةٍ لا حكم فيها. هذا جوهر قصّة هاني. الفلسطيني الغريب المقهور الذي يخوض المباراة ضدّ كلّ شيء، من دون حكمٍ يعطيه حقّه، مهما كان موهوبًا كهاني، صانع الألعاب في عيوننا رغم كلّ القهر.

كتب هذا المقال الصحفي اللبناني محمد محسن بعد زيارته سابقا لمخيم الرشيدية والتقى بالشاب المرحوم هاني بالصدفة.

محمد محسن هو مراسل ومنتج أخبار في قناة الميادين ، وكاتب في جريدة الأخبار.

الصورة للشاب هاني طه الذي توفى بالأمس في مخيم الرشيدية جراء صعقة كهربائية.




تحميل...