/
العمالة الفلسطينية والاقتصاد اللبناني
مارس 26, 2020 10:49 ص
مشاركة الصفحة
بقلم:أحمد الصباهي

ستة أسابيع من المظاهرات في المخيمات الفلسطينية في لبنان عقب إجراءات وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان تحت إطار تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان، كانت كفيلة بترحيل الملف الى جلسة لمجلس الوزراء، والتي بدورها للأسف تحت حجة حفظ صلاحيات وزير العمل الغائب عن تلك الجلسة، لتنعقد جلسة أخرى ويحال الملف الى لجنة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وعدد من الوزراء.
وكان من الواضح جدا أن وزير العمل ربما يريد إحراج اللجنة وتقييدها سياسيا، عبر القول أن قرارتها بجب أن لا تكون على حساب مصلحة الموظف اللبناني، مؤكدا أن خطة العمل خط أحمر، وأن صلاحياته لن تمس، ومستندا أيضا على إيجابية تعاطي وزير حزب الله في الحكومة، فهل ميزان “مصلحة” الموظف اللبناني كما يفهم من كلام الوزير تنحصر فقط في إجراءاته، وهل الفلسطيني فعلا يزاحم اللبناني في سوق العمل، وهل تعاطي حزب الله الهادىء تجاه معالجة الموضوع يريد الوزير من خلاله إرسال رسالة سياسية للفلسطينيين؟
ربما يفترض البعض أن الفلسطيني لا يريد تطبيق القانون، بل العكس هو الصحيح، ذلك أن أزمة الوجود الفلسطيني في لبنان هي في كونه على مستوى النظرة والتعامل غير محسوم قانونيًا، فهو تارة لاجئ وطورًا أجنبي.
وبما أن لبنان لا يقدم للاجىء الفلسطيني – كما تقوم الدول الأخرى التي احتضنت اللجوء الفلسطيني وكما ينص القانون الدولي – أية حقوق من صحة وتعليم ومسكن ومعيشة، فإن الفلسطيني يتدبر أمره عبر العمل، وما تقدمه الأنروا من شؤون إغاثية تتضمن التعليم والصحة بشكل متواضع، وتقديمات المنظمات الأجنبية الحكومية وغير الحكومية.
وبناء عليه عومل الفلسطيني “كلاجىء” منتقص الحقوق، ودخل الى سوق العمل اللبناني سواء كعامل أو موظف في القطاع الخاص، لكن يا للمفارقة “كأجنبي” غير مسموح له العمل بالعديد من المهن، لافتقاد الفلسطيني القدرة على تحقيق قانون “المعاملة بالمثل” المطبق على الأجانب، فحرم العديد من المهن تصل الى حدود ال70 مهنة، لكنه مارسها في المؤسسات بشكل غير رسمي وبأجور متدنية عن اللبناني.
وفي العام 2005 ، سمح للفلسطيني بممارسة مهن كانت محظورة عليه بموجب المادة الثالثة من القرار الوزاري الذي يصدر عن وزير العمل، إلا أن العديد من المهن بقيت محظورة لاشتراطات المعاملة بالمثل تصل الى 36 مهنة منها الطب والهندسة والمحاماة وغيرها، وذلك بحسب دراسة أجرتها “لجنة أبحاث سوق العمل والتنمية” التابعة للأنروا عام 2015 .
وفي العام 2010 أقر المجلس النواب اللبناني قانونين حملا رقم 128 و129 والذي ألغي بموجبه شرط المعاملة بالمثل، وأصبح رسم إجازة العمل مجانيًا، وحصل أيضًا على تعويض نهاية الخدمة، ولكن حرم من صندوقي المرض والأمومة، ومن التقديمات العائلية بالرغم من خصمها من راتبه، وبقي اشتراط الاستفادة من تعويض نهاية الخدمة مرهونًا بحيازة إجازة العمل والتسجيل في الضمان الاجتماعي.
وعلى مدى عامين، عملت “مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين” المشكّلة في إطار “لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني”، فصدرت وثيقة عام 2017 تحت عنوان “رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان”، وقد وقّعت عليها كل الأحزاب اللبنانية الوازنة.
وتضمنت تلك الوثيقة عدة توصيات أساسية كانت رفعتها المجموعة إلى رئيس الحكومة السابق تمام سلام. وهي مقترحات تفصيلية تنظّم تطبيق القانون 128و 129 و صياغة وإقرار اتفاقية مع وكالة “الأونروا” تؤكد حق الدولة اللبنانية في الاطلاع والتنسيق مع الوكالة من دون أن يترتب على ذلك نقل أي مسؤولية من مسؤوليات الوكالة ومهامها إلى الدولة أو إشراكها فيها، و تطوير عمل لجنة الحوار، بالإضافة الى تنفيذ إحصاء شامل للاجئين الفلسطينيين، والذي باشرته لجنة الحوار بالتعاون مع جهاز الإحصاء المركزي اللبناني والفلسطيني.
وللأسف لم ينفذ من هذه الرؤية بسبب الظروف السياسية المتعثرة في لبنان، إلأا الإحصاء لتعداد السكان من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فبلغ العدد 174 ألفاً، ولقد أثار هذا الرقم جدلا في لبنان بين مختلف القوى السياسية، بالرغم من مصادقة مجلس الوزارء عليه..
إلا أن الفلسطيني استمر في ممارسة العديد من المهن، “المسموحة والمحظورة”، ذلك أن وزراء العمل لم يتشددوا في تطبيق القانون على الفلسطيني نظرًا لخصوصية وضعه، ولكونه لاجئًا قسريًا في لبنان لا يستطيع العودة الى بلده.
لكن ما هو خطورة ما يجري حاليًا؟ وكيف ينظر الفلسطيني إليه مما أدى الى التظاهر؟
من الواضح أن وزير العمل كميل أبو سليمان استفاق بعد 70 عامًا على العمالة والتوظيف الفلسطيني، وقد امتلأ السوق اللبناني بالعديد من المهن والوظائف التي استمر الفلسطينيون بممارستها لسنوات طويلة ضمن المؤسسات التي يمتلكها لبنانيون، من غير إجازة عمل.
وفي إطار ما يسمى خطة مكافحة العمالة الأجنبية في لبنان، اعتبر الفلسطيني أجنبيًا وليس لاجئًا، وبالتالي سيتحول الموظف الفلسطيني الى عاطل عن العمل، إما لكونه يمارس مهنة محظورة فلن يعطى إجازة عمل وسيغرم ماديًا رب العمل إن أصرّ على تشغيله، أو اشتراط الحصول على عقد عمل في المهن والاختصاصات المسموحة من المؤسسة التي يعمل بها الفلسطيني للحصول على إجازة عمل. وهذا لن يقوم به أصحاب العمل اللبنانيون، لما يترتب عليه من مستلزمات تجاه التوظيف والعمالة الفلسطينية.
ومن المستغرب فعلا أن وزير العمل اللبناني يسوق خطة العمل لإيجاد وظائف للشباب اللبناني متناسيا ربما أن عدد الشباب اللبناني الذي هاجر من لبنان حتى العام 2014 وفق الدولية للمعلومات 1.3 مليون شاب. وتفيد دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف وثقتها دراسة أجراها المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أن عدد المهاجرين من لبنان منذ 1975 الى 2001 بلغ 600 ألف مهاجر.
وتفيد دراسة أخرى أجراها أيضا المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أن معدل البطالة بلغ عام 2010 أي قبل الأزمة السورية 34% بين فئة الشباب التي تتراوح بين 15-24 عاما، هذا فضلا أن عدد إجازات العمل المسجلة في وزارة العمل بلغ 210 آلاف 75% في خدمة المنازل.
كل هذه الأرقام تشير أن لبنان بلد هجرة لأبناءه منذ العام 1975 لأسباب مختلفة، وأن فشل الحكومات المتعاقبة وتراكم الأزمات الاقتصادية لن تحلها مشكلة إقصاء الفلسطيني عن العمل، وهو الذي يعمل وفق مهن غير مؤثرة ولا تزاحم اللبناني، بل العكس هو الصحيح، ذلك أن الفلسطيني يدخل العملة الصعبة الى هذا البلد إما عبر الأونروا والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، وما تنفقه الفصائل الفلسطينية من أموال على محازبيها ومؤسساتها الإعلامية والاجتماعية، فضلا عن الأموال التي تحولها الجاليات الفلسطينية في الخارج لأسرها في لبنان، وكل هذه الأموال تأتي من الخارج وتصب في صالح الدورة الاقتصادية.
إن إجراءات وزارة العمل تطرح علامات استفهام كبيرة لجهة التوقيت، لمباشرتها بعد ورشة البحرين وفق الخطة الأميركية الإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية وعلى رأسها موضوع اللاجئين، ذلك أن إجراءات الوزير إن لم تجد لها معالجة لا تفسر إلا بمعنى واحد وهو تهجيير الفلسطينيين من لبنان.
أما اللجنة المشكلة برئاسة الرئيس الحريري فهل ستعمل وفق ما كتبه في مجلة “جسور” التابعة للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في العدد2 \ كانون الثاني 2019 تحت عنوان: ” لاحترام حق اللاجئين بحياة كريمة” ،”إن لبنان لن يتهرب من واجباته وهو أكد أمام المحافل الدولية أن لا مجال للتوطين أو إي إجراء يتناقض البتة مع إعطاء الإخوة اللاجئين حقوقهم الإنسانية، بل إن منحهم هذه الحقوق يزودنا معا وسويا بالقوة اللازمة لمواجهة الصعاب التي نواجهها على مختلف الصعد سياسية كانت أو اقتصادية أو معيشية فنستعيد قوة العلاقات الأخوية الثنائية السليمة”.
متى التطبيق؟




تحميل...