تعرّض (أ.ن) لصدمة إعتبرها مصيريّة في حياته. قبل سبعة أعوام تخرّج من الجامعة حاملاً بكالوريوس في علوم الكومبيوتر، لكنه لم يعمل في تخصّصه. يقول إن أهله استدانوا تكاليف الأقساط ومصاريف الجامعة، وحتى الآن لم يسدّدها. لقد أصبح مقرّه شوارع المخيم بدل الجلوس أمام شاشات الكومبيوتر. ولأنه لم يشتغل، فقَدَ حبيبته التي وعدها بالزواج فور تخرّجه. أدمن نوعيّات مختلفة من الكحول والمخدرات، هرباً من واقعه ولكي يتناسى ما يحصل له، وفقاً لتعبيره. حاول مرات عدة الإقلاع عن الإدمان، لا سيما بعدما تدهورت حالته الصحيّة، لكنه لم يستطع ذلك. “حاولت كثيراً ولم أجرؤ على الذهاب إلى مصحّ كي لا تشوّه سمعتي أو صيت أهلي، ولعدم تمكني من تأمين تكاليف العلاج”.لم يوفّق الشاب وهو على مشارف الثلاثينيات، من إيجاد مرشد يتبناه ويساعده على بدء حياة جديدة. لكنه يؤكد أنه لا يرفض أي طلب للمساعدة في عالم الكومبيوتر وتصليحاته، وهذا ما يدرّ عليه بعض المال المتقطع، فيشتري بما يجنيه “الكيف ليعدّل مزاجه”.يبرز في إطار معالجة مدمني المخدرات دور الجمعيات المدنيّة والشعبيّة، ومنها جمعية “إنسان” في مخيم برج البراجنة، جنوب بيروت، والتي أنشئت في العام 2013 بجهود فرديّة وبدعم مالي أوّلي من السفارة الفلسطينيّة. يوضح الطبيب المعالج في “إنسان”، رضا الخفاجي، أن “المركز يعاني من ضعف التمويل، علماً أنه يستقبل المرضى المدمنين من جميع الجنسيّات. منذ افتتاحه، عالج ضمن تقديراته نحو خمسمائة حالة بشكل سرّي، حفاظاً على خصوصية المريض الذي يعتبر في النهاية ضحيّة”. ويؤمّن المركز العلاج ضمن ثلاث مراحل: المرحلة الفطريّة “ديتوكس”، وهي مرحلة تنظيف الجسم من المادة المخدّرة، تتبعها المرحلة الثانية من العلاج النفسي والسلوكي، وصولاً إلى مرحلة تطوير الذات. ويتوفّر في المركز 13 سريراً للمعالجة، ويتضمّن صالة رياضيّة ومكتبة، كما يوفّر أنشطة عدة، منها ورش عمل حرفية وفنية، وتعلّم الموسيقى.أدمن المخدّرات 22 عاماً!من خلال متابعته للأسباب التي تدفع الفلسطيني إلى التعاطي وإدمان المخدرات، عزا خفاجي الأمر إلى الفقر والبطالة التي يعاني منها الشباب، بالإضافة إلى بيئة المخيم التي تتوافر فيها المخدرات بسهولة، ومصاحبة المدمنين، ورغبة الدخول في التجربة. ويتحدث الطبيب بمرارة عن بعض الحالات التي عولجت وشفيت، لكنها عادت إلى التعاطي مجدداً، نظراً إلى عدم حدوث أيّ تغيير في حياة المتعاطي لجهة تأمين فرصة عمل، أو صعوبة الحصول على هذه المادة المخدّرة، مطالباً بالإضافة الى دعم المركز، تأمين فرص عمل للشباب ومكافحة هذه الآفة.ويذكر خفاجي، أن هناك حالات استثنائيّة لم يستطع المركز استقبالها، نظراً إلى خصوصية الحالة وتعقيدها، وعدم توافر الإمكانات المطلوبة، فضلاً عن أنّ العديد من المرضى لم تكن لديهم القدرة على تحمّل العلاج لفترة طويلة. وعن الفئات التي عولجت في المركز، يضيف أن الأمر لا يقتصر على الذكور فحسب، بل هناك حالات من الفتيات والنساء المتزوجات اللواتي عانين من هذه الآفة.(س. ش) من مواليد العام 1983 وقد تمت معالجته في المركز. أدمن المخدّرات لمدة 22 عاماً بجميع أنواعها. لجأ الى “إنسان” للعلاج بعد اتخاذه قراراً بتغيير حياته نحو الأفضل، حيث استغرقت مدة علاجه سنة وأربعة أشهر، قضى منها ثلاثة أشهر حضانة في المركز، واستكمل علاجه خارجه. هو الآن متزوج وأنجب ولدين، ويعمل حالياً سائق تاكسي. يتذكر كيف كان يتوسّل من يلقاه لكي يعطيه ثمن حبّة هلوسة، وكيف أصبح منبوذاً من ذويه. نادم حالياً على كل ما قام به، ويشكر من ساعده لا سيما مركز “إنسان”، ويشير إلى أن سبب تعاطيه المخدرات، هو الرغبة في تجربة شيء سمع أنه ينقله إلى عالم آخر.أما (م. ح) فيبلغ من العمر 20 عاماً، وهو تعاطى حبوب هلوسة (ترامادول، زاناكس) واستغرقت مدة علاجه أشهراً عدة، لكنه عاد إلى الإدمان مجدداً. يعزو عودته إلى أن جسمه تغيّر بعد توقفه عن التعاطي، لكن واقعه لم يتغيّر. يقول إن “الفلسطيني يريد فرصة عمل أو السفر إلى الخارج، وأنا لا اعمل ولا أستطيع السفر، فأسافر عبر الحبوب الى المكان الذي أريده في خيالي”. يعترف بأن “تأمين حبوب الهلوسة ليس صعباً، ويمكن شراؤها بأسعار زهيدة عبر مروّجين. علماً أنه لدينا صيدليات تبيع هذه الأنواع من الحبوب من دون وصفة طبيب”.العلاج أمني… وقانوني لا تؤمّن وكالة “الاونروا” علاجاً للمدمنين، ولا تملك الإمكانات والرؤية لمشروع كهذا. إلاّ أن جمعيّات أهليّة، محليّة ودوليّة، تحاول المساعدة بعلاج عدد غير معروف من المدنيين المدمنين في المخيّمات الفلسطينيّة. إنّ الفصائل الفلسطينيّة تعلن دوماً عن استعدادها لعلاج أيّ مدمن. ويقول قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب في هذا السياق، إنّ “أيّ مدمن يريد العلاج بسريّة تامة، نؤمّن له العلاج فوراً ومجاناً”. ولكن علاج الإدمان في المخيّمات يحتاج إلى إزالة أسباب الإدمان أولاً، كي لا تزيد أرقام المتعاطين والمدمنين والمروّجين. وهذا ما طالبت به “لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني” في شهر كانون الثاني من العام الجاري، عندما دعت إلى “محاربة المخدرات في المخيّمات عبر مسارين: الأول أمني، تتحمّله الفصائل الفلسطينيّة من خلال تكثيف جهودها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة لإلقاء القبض على التجّار والمروّجين وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية. والثاني عبر إقرار قوانين تسهّل حياة الفلسطينيين، وتكثيف الجهود مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” واللجان الشعبية في المخيّمات.