تحصل عملية بيع حبوب الهلوسة وأصناف المخدرات، عند زاوية الشارع الفاصل بين مخيم برج البراجنة ومنطقة العنان في جنوب بيروت. هذا ما يؤكده صاحب ميني ماركت في الشارع نفسه. ويقول إن “تجارة المخدرات تنشط كثيراً في الليل، حيث يجلس التاجر على الرصيف، يضع نارجيلته وحوله مجموعة شباب، رافعاً صوت مكبّرات صوت سيارته. هذا المشهد يتكرّر يومياً، ويسبّب القلق للجميع حيث تقع مشاجرات دائمة بينه وبين التجّار الآخرين، وأحياناً تتطوّر إلى إطلاق نار”. لكن تعالت الأصوات في المخيم والمحيط اللبناني لإنهاء الظاهرة. وبالفعل لاحقت الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة والفلسطينيّة التجّار، واعتقلت معظمهم في الشارع والمخيم. وبطبيعة الحال خرج التجّار من السجن بعد فترة، لكن لم يعد في استطاعتهم العمل بحرية كما السابق. ما أدى إلى تغيير طريقة البيع في الأشهر الماضية، إذ لم تعد علنيّة كما كانت قبلاً. حالياً، يحصل ترويج المخدرات ويتم بيعها بعد التنسيق بين المروِّج والشاري عبر “الواتس اب”، لا سيما بعد اختفاء التجّار الكبار عن الأنظار، حسب ما يؤكد بعض سكان المخيم.
خارطة التسلّم والتسليم تشير منى، وهي تسكن في محاذاة مخيم برج البراجنة، أنها تلاحظ في فترات مختلفة من المساء وحتى الفجر، أن بعض الشبّان يتجمعون ومعهم أكياس سوداء صغيرة، ينتظرون آخرين يأتون في أوقات مختلفة، يسلّمون مالاً ويتسلّمون بضاعة. أما بالنسبة إلى مصدر المخدرات الرئيسي فيتنوّع حسب السوق، كما يقول أحد الناشطين في مجال مكافحة المخدرات داخل المخيم، واسمه حسين. ويلفت الى أن “المخدرات كانت تصل إلى المخيم من حيّ البعلبكيّة في الضاحية الجنوبيّة. وتصل كميّات أخرى من نقطة البورة خلف محطة بنزين مدكو، حيث تحظى هذه المناطق بحماية أشخاص نافذين أمنيين وحزبيين. إلا أنه وبعد الحملات المتلاحقة من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية ورفع الغطاء الحزبي، اعتقل عدد كبير من التجّار خارج المخيم”. ويضيف حسين: “لقد حتّم ذلك على التجّار داخل المخيم الإعتماد على المصادر الموجودة داخله، وتبع ذلك إنشاء معمل لتصنيع الكبتاغون وربما تصديره الى الخارج. الموقع معروف للفصائل والجهات الأمنيّة في المخيم، لكن لا أدري لماذا لا يُقتحم المنزل حتى الآن؟ هل يحظى بغطاء فصائلي؟ أم هو محمي من قبل نافذين أمنياً؟”. ويتابع: “المخيم بات مُصدّراً لبعض أنواع المخدرات، ولا نعرف حتى الآن مصدر المواد الأوليّة لتصنيع حبوب مخدرة كهذه”. يتكرّر المشهد ذاته في مخيّمات أخرى كالبدّاوي (شمال لبنان) وشاتيلا (بيروت) والرشيدية (جنوب لبنان) ولو بشكل مختلف، والقاسم المشترك بينها أن المخدرات تدخل إليها من الخارج. وفي هذا الإطار، يستغرب رامز، وهو كادر في أحد التنظيمات الفلسطينيّة في مخيم شاتيلا، ما يصفه بـ”الإنتشار السريع” لهذه الآفة وسعر المخدرات الزهيد داخل المخيمات مقارنة بأسعارها خارجها. ويشير الى أن “وصول المخدرات إلى شاتيلا يحصل عبر أربع نقاط رئيسيّة عند أطراف المخيم، وتقع كل نقطة منها تحت سلطة تاجر من تجّار المخدرات. ويتم إدخال “البضاعة” عبر سيارات خاصة أو دراجات نارية في غالب الأحيان”. ويؤكد أن “جرأة هؤلاء التجّار بالقدوم إلى المخيم في وضح النهار لبيع موادهم المخدرة لا يدلّ إلا على أن هناك من “يغطيهم” سياسياً وأمنياً. ويتعامل التجّار مع مروّجين من داخل المخيم، بعضهم من الفلسطينيين أو من جنسيّات أخرى”. أما في شمال لبنان، وتحديداً في مخيم البداوي الذي يعاني من اكتظاظ سكاني يفوق قدرته الاستيعابيّة بعد نزوح أهالي مخيم نهر البارد عام 2007 إليه، إضافة إلى اللجوء السوري بسبب الحرب الدائرة، فإن هذه الكتلة السكانيّة الكبيرة هي بمثابة فرصة لتجّار المخدرات لزيادة نشاطهم ومبيعاتهم. يؤكد مازن، وهو ناشط في الحراك الشبابي في المخيم، “أن مصادر إدخال المخدرات إلى المخيم معروفة، وهناك مصدر رئيسي يقع في جبل محسن، حيث يقوم تاجران، وهما الأبرز والأهم في المنطقة، بتوصيل المخدرات إلى تجّار داخل المخيم”. ويضيف: “هؤلاء التجّار في شارع أبو الفوز معروفون لدى القوى الأمنيّة في المخيم”. ويتابع: “إنطلاقاً من هذا الموقع، يتم التوزيع إلى بقية التجّار داخل المخيم، وبعضهم محسوبون على فصائل داخل المخيم. ويقدّر عدد التجّار داخل المخيم بنحو سبعة أشخاص”. وكانت القوى الأمنيّة في مخيّم البداوي قد اعتقلت بعض صغار التجّار داخل المخيم، بينما لم يتم اعتقال أي تاجر خارجه حتى الآن، لأنهم خارج سلطة القوّة الأمنيّة الفلسطينيّة، الأمر الذي تترتب عليه ملاحقة قانونيّة من قبل الدولة اللبنانية، وهو ما حصل في الحادثة الأخيرة، عندما بادرت القوى الأمنيّة إلى استدراج أحد التجّار إلى حدود المخيّم حيث نصبت له كميناً محكماً، تخلله إطلاق نار أصيب على إثره التاجر في رأسه حيث نُقل للعلاج في أحد مستشفيات المنطقة. ولأن الحادثة حصلت خارج حدود المخيم، فقد بات عناصر القوّة الأمنيّة الفلسطينيّة مطلوبين قضائياً وأمنياً! ولمخيم البداوي مدخلان رئيسيّان: الشمالي من جهة جبل البداوي، والغربي من جهة جبل محسن / القبة. عند المدخلين، يوجد حواجز تابعة للفصائل الفلسطينيّة (الجبهة الشعبة – القيادة العامة وفتح الانتفاضة). لكن هناك ستة مداخل غير رسميّة تتوزع على حدود المخيم، وعادةً ما يتم تهريب المخدرات منها. وغالباً ما تتم عمليات التهريب للمخيم ليلاً من جهة جبل محسن والمنكوبين والقبّة. واللافت أنه قبل هذه المداخل، توجد نقاط وحواجز رسميّة تابعة للأجهزة الأمنيّة والجيش اللبناني تحديداً. وعلى الرغم من ذلك، تعبر المخدرات من خلال هذه النقاط بلا حسيب أو رقيب، كما يؤكد ناشطون في المخيم. وفي الفترة الأخيرة، نشطت عمليات التهريب عبر النساء أو طلاب الجامعات. ويقول مسؤول فلسطيني في القوّة الأمنيّة المشتركة، إن تحقيقاتهم أكدت أن “تجّار المخدرات يستغلون فتيات ونساء لإدخال المخدرات تحت ثيابهن”. وتأتي المخدرات من مناطق بقاعيّة إلى منطقة التبانة في طرابلس عبر سيارات تاكسي يكون في داخلها نساء لكي لا يُثرن الشك لدى عناصر الجيش والأجهزة الأمنيّة، وهناك يتسلّمها تجّار صغار ويوزّعونها على المروّجين. وتتوزّع جنسيّات التجّار والمروّجين بين لبنانيّة وفلسطينيّة وسوريّة. ويُعرف كبير التجّار بـ”البارون الكبير”، وهو يؤمّن الكميات الكبيرة. وعند مداهمات القوى الأمنيّة، تلقي القبض على صغار المروّجين من دون المساس بهذا الرأس المدبّر. وقد سبق وسلّمت القوّة الأمنيّة المشتركة في مخيم البداوي نحو 155 شخصاً ضالعين بتجارة المخدرات.