/
نافذ أبو حسنة يهزم منفاه..
أغسطس 19, 2020 3:38 م
مشاركة الصفحة
بقلم:زاهر أبو حمدة

نفدت ذخيرته فاستراح. تعب الجسد، والقلب يختزن أحزان 59 عامًا من الوجع. غاب الحضور الجسماني وتبقى حسناته نافذة.
نافذ أبو حسنة: المثقف المُلم. توأم القلم قبل “الكيبورد”. يطوع اللغة نثراً وشعراً. ينزف هماً في مقال. يجسد الأهم في دراسة. يوصي بالفكرة في مؤتمر. يقص “كل الحكاية” من وراء كاميرا. يؤرخ ذاكرة شعب في فيلم وثائقي. يعزف “مقام البكاء” في رواية. يتذكر بندقية الحب في بيارات وطن ضائع ليعكس “عسل المرايا” في جيل التحرير. نبضه في “مذياع القدس”. زخمه منار في “المشهد الفلسطيني”. وهجه لأجل “فلسطين اليوم” بعيداً عن الفصائلية والايدولوجيا.
لا بد من التفريق بين العمر والسن عند المرء الاستثنائي. التعريف المقتضب: العمر هو كل ما يعيشه الإنسان ويموت بعد انقضائه، بينما السن هو ما بلغه الإنسان من عمره. لكن عند الفلسطيني لا تعريف للفترات والمراحل. نحن أعداء وأصدقاء الأرقام. حياتنا مناسبات نحي بعضها وننسى غالبيتها. العمر يا أبا أحمد، هو التجربة. وكم من تجارب صهرت تجاعيد الوجه والكفين وأثقلت المخيخ ولم تبقِ إلا خيوطاً بيضاء معدودة على الرأس. يولد الطفل الفلسطيني مكتمل الرجولة، وإذا فتح بصيرته في غزة بين موعدي النكبة والنكسة، خرق بصره الجدران نحو العاصمة، ويصبح اللامكان منفاه. اللاجئ الاستثنائي أنت. عملت بنصيحة المسيح عليه السلام: “إن العالم جسر، اعبره، ولا تقيم عليه منزلاً”. لكن من عرفك، كان قلبه بيتك ويدرك كم أحببت دمشق وبيروت. ويعلم المقربون لك أن جرح الشام غرس فيك عميقاً، وانفجار مرفأ بيروت تشظى في أنفاسك.
ليست صدفة. إنها التزامنية أن تغادر روحك في ذكرى رحيل محمود درويش، وهي لحظة هزيمة المنفى. الراحلون يلتقون، والأحباب يتعانقون. وحلمك مستمر مع جيل فلسطيني امتلك أدواتك لأجل العودة. وهنا لا ننعيك يا أستاذنا، إنما نتمنى منك الرضا على تنفيذ الوصية: نحو فلسطين.




تحميل...